علاء الصايغ - عطشنا إلى التغيير وسرديّة "الوحدة بشكلها الفضفاض".
05 اكتوبر 2021
يتمّ الترويج إلى نظرةٍ على الصراع مع المنظومة الحاكمة، مفادها أنّ قضيّة التغييريّين الأساسيّة اليوم تكمن في "الانتخابات النيابيّة" وكرمى لعيون هذه القضية الأساسيّة تهون التسويات. تنطلق هذه النظرة من شعورٍ عامّ محقّ يدعو الناس إلى الوحدة، في حين يفوت البعض أنّ هذا المطلب هو الأساس في وحدة المتضرّرين جميعًا بوجه المستفيدين من المنظومة الحاكمة والانهيار الاقتصاديّ الّذي تسبّبت به سياسات السنوات الثلاثين الماضية.
هنا، الفرز ضروريّ لأنّ الانتخابات النيابيّة ساحة مواجهةٍ مهمّة. ولكن، من المهمّ أن نعي أنّ "آخر الدني" للمشروع التغييريّ ليس عشيّة الانتخابات (بشكل أخصّ الانتخابات النيابيّة على القانون الحاليّ، الّتي تضمن حوالي مئة بالمئة من مقاعد قوى المنظومة بحوالي ٢٠٪ من الأصوات في بعض الدوائر، وتديرها وزارة الداخليّة الحاليّة وحكومة التسويات والمحاصصة هذه، والّتي استهدفت أوّلًا الأصوات الاغترابيّة والّتي نعلم علم اليقين أنّها سوف تستخدم وتسخّر كلّ وسائل الزبائنيّة والابتزاز دون حسيبٍ أو رقيب في هذه الانتخابات).
سرديّة "الوحدة بشكلها الفضفاض" أسقطها تحالف وتآلف من سارع إلى الانضباط في "المعارضة الكتائبيّة"، هذه المعارضة الّتي هي في مضمونها - ومهما كان شكلها - معارضة زعيمٍ خاسرٍ لآخر رابحٍ.
ميشال معوّض يريد نقاط قوّةٍ بوجه سليمان فرنجيّة ليحقّق مزيدًا من المكاسب، فيسعى إلى ركوب موجة التغيير، وهو الّذي تحالف مع باسيل في الأمس القريب.
سامي الجميّل يريد نقاط قوّةٍ بوجه باسيل في بعض المناطق، وبوجه جعجع في مناطق أخرى، فيسعى إلى تشكيل جبهة معارضةٍ كتائبيّةٍ خدمةً لذلك. وهو الّذي قال في الأمس أنّ أمين الجميّل هو زينة رؤساء البلد وحزبه من الأحزاب المؤسّسة للمنظومة وشريك في جميع تسوياتها.
كلّ هذا نفهمه وإن كنّا لا نتفهّمه، لأنّ نظرتنا للتغيير تنطلق من منطلقات صافية وجذريّة وتختلف عن منطق "زيح لإقعد محلّك"؛ إلّا أنّ ما لا نفهمه أبدًا هو سكوت من تحالف مع الجميّل ومعوّض وأصابه الصمت يوم هاجم الجميّل تنظيماتٍ تغييريّةً أساسيّة في 17 تشرين واتّهمها اتّهاماتٍ باطلةً، ويوم وصّف معوّض تنظيم "لِحقّي" وغيره من التنظيمات بأنّها "داعشيّة" لرفضها أن تكون مطيّةً لزعيمٍ خاسرٍ هدفه تحقيق مكاسب على زعيم رابح على حساب خيار الناس بالتغيير الجذريّ.
من منّا يعتبر الجميّل ومعوّض نقيضي المنظومة السياسيّة والاقتصاديّة الحاكمة ليتحالف معهما؟
أيّ وحدةٍ هذه!؟ حتمًا مرفوضةٌ هذه الوحدة الّتي تقوم على أساس اليد الممدودة للترغيب بالانضمام إلى مشروعٍ تقوده الكتائب؛ وإن قام أحدٌ بالتشكيك بنوايا هذه اليد، فإنّ يد التخوين والتشكيك وتشويه الصورة الحقيقيّة تمتدّ على سمعة التنظيمات السياسيّة التغييريّة.
اليوم، المسؤوليّة جماعيّة و"مانيا" الانتخابات سوف تمتدّ لأشهر، والمنظومة السياسيّة والاقتصاديّة سوف تتفنّن بطرقٍ مختلفةٍ للانقضاض على القوى التغييريّة الجذريّة وهذا محسوم! من يظّن بعكس ذلك، فهو لا يعرف المنظومة.
سنشهد معارضةً مضادّةً للمعارضة وثورةً مضادّةً للثورة، وستتوالى علينا أساليب الترهيب والترغيب للتغييريّين. نعرف المنظومة السياسيّة والاقتصاديّة جيّدًا. لكنّ هذا لن ينطوي على كلّ الناس، والناس في وضوحها وقدرتها على استشعار الخطر الحقيقيّ من جهة وتحديد واستشعار الانتهازيّين والمتسلّقين من جهة أخرى. سوف تفاجىء الواهمين والتسوويّين. من يظّن غير ذلك فهو لا يعرف الناس!
الناس بين التغيير الجذريّ وقوى المنظومة سوف تختار التغيير الجذريّ، ولكن بين الزعيم الأصيل والمتزعّم الوكيل سوف تختار الأصيل أو تعتكف عن الاختيار.
الأرض جاهزةٌ والفرصة أمام القوى التغييريّة القاعديّة والجذريّة قائمة ولا حلّ ممكن أن يأتي من فوق إلى تحت. منصّاتنا هي تنظيماتنا الّتي عملنا ونعمل على بناء وتطوير أدواتها والحفاظ على قيمها ومبادئها الأساسيّة. فلنتضامن ولنعمل معًا لمواجهة المنظومة ومشاريعها ومنصّات الاستثمار السياسيّ والتقاطعات السياسيّة والاقتصاديّة مع قوى المنظومة!
ولنعلم أنّ مشروع التغيير يتكثّف ويستمرّ لليوم الثاني من الانتخابات النيابيّة، وهذه الانتخابات مهمّةٌ إذا قاربتها القوّة التغييريّة على أنّها جولة جديدة من جولات الصراع مع منظومة الحكم السياسيّة والاقتصاديّة والماليّة والدينيّة والأمنيّة المتعدّدة الأوصال.