وزير الوزراء اللبنانيّ "راوول نعمة"، التابع للتيّار الوطنيّ الحرّ، يرفع الأسعار مرّةً أخرى - بعد أن رفع أسعار الخبز سابقًا - بغضّ النظر عن وقع هذه السياسات على الطبقة الفقيرة. عندما سئل عن ذلك، كان ردّه محاكيًا لردّ أترابه في التيّار الوطنيّ الحرّ: ردّ نخبويّ وفوقيّ، يعكس مدى انفصال المسؤول اللبنانيّ عن واقع الناس ومصالحهم وكرامة عيشهم.
راوول نعمة: "بعدين ليش بدّك تدعم البنزين لكلّ الناس؟ مين عنده أكبر سيّارات؟ من عندو أحلى سيّارات؟ الفقير؟ الفقير ما عندو حتّى سيارة!"
إن كنت تملك سيّارةً، فأنت لست فقيرًا. هذا التصوّر الكاريكاتوريّ عن "الفقير" غير مستغرب عند الطبقة السياسيّة في لبنان، عندما تطلّ علينا من أبراجها العاجيّة.
إبراهيم كنعان - أيضًا من التيّار الوطنيّ الحرّ - قال سابقًا أنّه شخصيًّا غير مستفيد من الدعم، فما فائدة الدعم أساسًا؟ قد يبدو الدعم غير مهمّ لشخص يصل راتبه بانتظام إلى عتبة بابه، سواءً عمل أم لم يعمل في حالة البرلمان.
لكنّ الدعم ضروريّ لمعظم الناس الّذين يعانون من ارتفاع حادّ في مستوى البطالة، ويعملون في وظائف غير مستقرّة وغير منتظمة كالمياومين.
الجانب الآخر الّذي يجب تسليط الضوء عليه هو خطاب "فرّق تسد" الّذي يتجلّى باللغة الشعبويّة المزيّفة، الّتي تهدف إلى كسب دعم قاعدة التيّار من العامّة لسياسات تتعارض مع مصالحهم. تتمثّل هذه اللغة بالحرص الزائف على مصالح الفقراء.
ولكنّنا نعلم، أنّ السياسات الّتي لا تميّز بين فقير وغنيّ، هي سياسات محبوبة ويصعب مهاجمتها إذًا من قبل السياسيّين. جميعنا يساهم بها عبر أموال ضرائبنا، وجميعنا مستفيد.
في اللحظة الّتي نضع فيها سياسةً للأغنياء وأخرى للفقراء، فإنّ السياسات الّتي تساعد الفقراء ستعاني من نقص في التمويل. عندما يتعلّق الأمر بتمويل رواتبهم، فإنّهم يعاملون خزينة الدولة مثل مياه نهرٍ لا ينضب. إلّا أنّ في الأمور المتعلّقة بالنفقات الّتي تفيد الغالبيّة العظمى من الناس، يتذكّرون العجز في الميزانيّة و"بيلحقونا على النغلة".
تشير تقديرات ال UNESCWA إلى أنّ أكثر من ٥٥٪ من المقيمين في لبنان باتوا تحت خطّ الفقر، وأنّهم يكافحون من أجل تأمين الضروريّات الأساسيّة. يبلغ إجمالي عدد الفقراء اللبنانيّين حاليًّا حوالي ٢٫٧ مليون نسمة (وهو عدد الأشخاص الّذين يعيشون على أقلّ من ١٤ دولارًا في اليوم). بالتالي، هناك تآكل كبير في الطبقة الوسطى، بحيث يشكّل أصحاب الدخل المتوسّط الآن أقلّ من ٤٠٪ من السكّان. كما تقلّصت الطبقة الغنيّة أيضًا إلى ثلث حجمها: من ١٥٪ إلى ٥٪ من السكّان خلال العام الماضي.
بمعنى آخر، إنّ وزير الاقتصاد سيؤذي ١١ فقيرًا ليحول دون أن يستفيد غنيّ واحد.
#القوة_للناس
*تعتبر لِحَقّي "الكلمة للناس" مساحةً مفتوحةً لمقالات الرأي. بالتالي، المواقف والمقاربات الّتي ترد في هذه المقالات المنشورة، لا تعبّر عن رأي وموقف التنظيم، بل عن آراء كتّابها وكاتباتها.