فادي نصر الدين - إذا كان العدل أساس الملك، فلا بدّ أنّه أحد شروط تحقيق السلام
27 تشرين الثاني 2020
من خلال تجربة الشعوب عامّةً وتجربتنا اللبنانيّة بشكلٍ خاصّ، لا بدّ أن نتوقّف عند الأسباب الجوهريّة لنشوب الحروب والصراعات المسلّحة العنفيّة المدمّرة المكلفة لسنواتٍ وسنوات.
ما من نزاعاتٍ عنفيّةٍ حصلت إلّا وكان العدل المفقود سببها، إمّا من خلال قهر القويّ للضعيف أو من خلال خلوّ الحياة العامّة من ركائز تحقيق الحقّ والعدالة أو الإمعان بالسطوة المافيويّة وإهمال الجانب الإنسانيّ في معالجة حقوق الشعوب. الاستبداد أو الاحتقار السياسيّ والأمنيّ والاجتماعيّ أو الأنظمة الدكتاتوريّة... كلّها استهوت شبق المنظومة القامعة المفرطة بالقمع، استهوت استسهال حرمة الكرامات وتعزيز استسهال الجريمة لتطويع حرّيّة الرأي ومنع التعبير عنه.
فإذا كانت هذه الأنظمة تصرف النسبة الأكبر من الميزانيّات لمصلحة قوّاتها المسلّحة الأمنيّة والدفاعيّة من جيوب المواطنين والمواطنات المكلّفين ضريبيًّا، إلّا أنّها تقوم بذلك بهدف تحويلها إلى قوّة قهرٍ بوجه مواطنيها وتأبيد سلطتها. في حين أنّها تخشى أن يتلاقى ضمير هذه الأجهزة الأمنيّة في حفظ الأمن والقانون مع الجهاز العدليّ من قضاة ومحامين ومحاميات. عندها، تقوم بتطويع الثانية لعدم التناغم مع الأولى. فكيف إذا ما استطاعت الإطباق على الاثنتين معًا؟!
الواقع اللبنانيّ، اليوم، ينحدر وبسرعةٍ نحو هاوية الاستبداد الكامل. فالمنظومة المتحكّمة بالبلاد استطاعت، حتّى الآن، توظيف كامل الأجهزة بخدمة حمايتها. كما أنّها تمكّنت من الإطباق، شبه الكامل، على الجسم القضائيّ بطريقةٍ زبائنيّةٍ من خلال ضرب مبدأ فصل السلطات والإمساك بالتعيينات القضائيّة بما يخدم مصالحها.
مع انطلاق ثورة 17 تشرين وإطلاق موجة المطالبة بالمحاسبة وانعكاسها الإيجابيّ في انتخابات نقابة المحامين وتحقيق انتصارها الأوّل فيها وما تلاه في الجامعات، ومع إطلاق صرخات الناس حول مبدأ المحاسبة والتحقيق والعدل، استشعرت هذه المنظومة خطر تفعيل منطق العدل والقانون عليها وعلى مستقبل بقائها بالحكم. ليس خافيًا على أحدٍ أنّ الاعتداءات المتكرّرة على الجسم العدليّ الحقوقيّ، وآخرها بالأمس مع أحد المحامين، إلّا إشارة واضحة بوجهة المواجهة القادمة الّتي تعتبرها هذه المنظومة أمّ المعارك لا بل أدقّها. وهنا تكمن خطورة ما حصل. لماذا؟ لأنّه بذلك تكون هذه المنظومة المستبدّة قد أعلنت، بشكلٍ صريحٍ، أنّ مبدأ العدل أساس الملك ينهيها، وأنّ ارتكاز المواطنين على الحقوق والقانون في معالجة الملفّات العالقة من حقوق المودعين والأموال المهرّبة والمنهوبة والتحقيق في جريمة تفجير المرفأ والاعتداءات على المتظاهرين، كلّها سينهي حقبة حكمهم وسيفتح أبواب سجنهم. من هنا، قرّروا المواجهة في هذه الجبهة بالتحديد، عبر محاولة تطويع من تسوّله نفسه من الجسم الحقوقيّ الاستمرار في رفع الدعاوى وملاحقة القضايا.
السؤال الأخير والأهمّ: كيف سيكون الوضع إن لم نواجه هذه الخطّة؟
أوّلًا، سيمسحون من ذاكرة الناس أنّهم مرتكِبو جرائم. ثانيًا، سيجعلون من أيّ انتصارٍ نقابيٍّ وقطاعيٍّ شاهد إحباطٍ للقادم من الأجيال. ثالثًا، سيقولون للعالم أنّ شعبنا لا يستحقّ المساعدة بالحياة. رابعًا والأخطر، سيعمّمون منطق "خذ حقّك بيدك"، أوّل طريق العنف واستدراجه، وطبعًا سيربح الأقوى بهذه اللعبة الخبيثة.
العدل أساس الملك وضامنٌ لعدم استخدام العنف. فلنستفد من تجارب الجوار ومآسيه.
فادي نصر الدين
#القوة_للناس