حليمة قعقور
ثقافة السلام والبيئة
13 تموز 2019
“الحروب تتولد في عقول البشر، وفي عقولهم يبنى السلام”
تتزايد أهمية “ثقافة السلام” مع ارتفاع حدة التعصب والتطرف والجرائم المرتكبة بحق الانسان وبحق البيئة، والتي تضع أمننا، صحتنا وسلامنا بخطر، لذا، يبقى العمل على تعزيز “ثقافة السلام” أولوية تحتاج الى اتباع نهج شمولي يطاول العمل على مكونات عدة، منها المساواة بين المرأة والرجل، حل النزاعات بطريقة سلمية، تعزيز الديموقراطية والتعليم، العمل على نشر القيم المتعلقة بالسلام، كالاحترام والتسامح والحوار، حماية الحق بالوصول الى المعلومات، والتنمية المستدامة والحق في بيئة نظيفة.
لماذا هذه الجرائم بحق البيئة؟ لماذا هذا الاستخفاف بالبحر؟ فنطمره ونرمي فيه نفاياتنا المنزلية والطبية منها بدون رحمة؟ لماذا هذا التسامح من قبل الشعب اللبناني تجاه مصادر التلوث كالمعامل والكسارات وغيرها؟
إن القيم الأخلاقية التي تحكم الانسان بأخيه الانسان هي ذاتها التي تحدد العلاقة ما بين الانسان والطبيعة، بحيث لا يمكن ان تكون علاقته سلمية وعنيفة مع الانسان. ان ثقافة التطرف والعنف التي تسود وتتحكّم بالعلاقات ما بين اللبناني واللبناني تنعكس أيضا على البيئة، فغياب ثقافة التسامح لدى اللبناني تجاه الآخر هي نفسها غياب المساءلة والمحاسبة ضد كل من يلوث البيئة.
ان العلاقة ما بين السلام والبيئة هي علاقة متداخلة بما للتلوث والأزمات البيئية والنقص في الموارد من تداعيات اقتصادية خطيرة من شأنها تعزيز التوتر الاقتصادي، وتخييم شبح الحرب والنزاعات المسلحة، والتي بدورها تؤدي الى تدمير البيئة. هذا التلوث الخطير للمياه الجوفية في لبنان وللبحر والجو والتربة له تداعيات كبيرة على الصيادين والمزارعين، وعلى ازدياد أزمة المياه الذي من شأنه زيادة حدة الفقر وبالتالي التوتر.
كما ان ازدياد الأمراض سيؤدي الى زيادة الكلفة الطبية، والتي هي عالية بالأساس، وبالتالي الى ازدياد حدة الفقر في لبنان. ان العلاقة ما بين الفقر والحروب هي علاقة وطيدة وغياب التنمية المستدامة يشكل عاملا أساسيا من عوامل الفقر والتوتر، وهذا ما نتوقعه في لبنان بعد هذه الأزمات البيئية الكبيرة والتي ستتسبب بمزيد من التوتر. وهذا ما يؤدي الى تغيير مفهوم الأمن الذي يتحول من عسكريا و اقتصاديا واجتماعيا الى أمن بيئي أيضا.
ان تطبيق القوانين البيئية من شأنها أن تخفف التوتر وتعزز ثقافة السلام، وهذا لن يحصل دون الحراك والجمعيات البيئية التي تناضل وتضغط من أجل حماية البيئة، ومن أجل حلول مستدامة وعادلة، وليس حلولا مؤقتة على حساب المستضعفين والفقراء. وفي خضم هذا الحراك والمعركة ضد مرتكبي الجرائم البيئية هوية جماعية تظهر وتتعزز لتتحول المعركة بين فريقين: “نحن” الناشطون البيئيون و”هم” المرتكبون. هذه الهوية تلعب دورا مهما في تعزيز العلاقات الاجتماعية ما بين الناشطين بالرغم من كل الاختلافات الدينية والثقافية وحتى السياسية، وبالتالي دورا مهما في تعزيز وحدة اللبنانيين.
البيئة هي المساحة المشتركة التي من المفترض أن تعلّمنا العيش معاً، بحيث نتعلّم من اختلاف ألوانها وأشكالها, والتكامل والانسجام بين مكوناتها. هي المساحة التي تعلّمنا عالمية القيم والحقوق الطبيعية، هي الأم الحنون المعطاء واستاذتنا بالسلام.
نشرت هذه المقالة سابقاً على موقع greenarea.me بتاريخ 26 نيسان 2016.
نجاح مشروع التغيير هو أقرب من أي وقت مضى!
مسارنا نحو خوض معركة الحقوق طويلة. انضموا إلينا من خلال التبرع لحملتنا أو التطوع في بلداتكم ومدنكم.