ميسم بو ذياب - دوما البترونية تهلّل لمحافظ بيروت!
30 حزيران 2020
ليس المظهر الرجعي في الترحيب بمسؤول ما، بعد تعيينه في مركز معيّن، هو فقط المزعج في هذه الصورة؛ إنّما أيضًا رفعه وزوجته على الأكتاف (كما يفعل الكثير من أتباع الزعماء مع زعمائهم، مصرّين على عدم تخطّي الإقطاع السياسي وتحويل مسؤولين - واجبهم خدمة الناس وواجب الناس محاسبتهم - إلى أشخاص معصومين عن الخطأ). وهذا أحد أهمّ أسباب أزمة نظامنا السياسي التي أوصلتنا إلى الانهيار الاقتصادي الحالي.
إلّا أنّ في الصورة ما هو أشدّ غرابةً من ذلك. فهذا الترحيب هو لمحافظ بيروت الجديد، لكنّه ليس في بيروت. والمحتفون به ليسوا أهالي وسكان بيروت، بل هم أبناء قريته دوما في قضاء البترون!
طبعًا لا مانع من أن يتبوّأ شخص كفوء، من أيّ منطقة كان، إدارة منطقة أخرى. ولربّما كان، كالكثير من اللبنانيين/ات، من سكان العاصمة، فمكان الإقامة بات بأهمّية (وربّما أهمّ) للمواطن/ة من مسقط رأسه الذي يزوره في العطل، خاصّةً في ظلّ النظام اللبناني ومركزية الإنماء التي أفرغت الأرياف ودفعت بالكثيرين للنزوح نحو بيروت والمدن الساحلية قرب مراكز أعمالهم/هنّ. واستطرادًا هنا، لا بدّ من تطوير قانون الانتخابات البلدية، بهدف السماح للسكان بالتصويت والترشّح مكان إقامتهم/هنّ، إذا أرادوا.
غير أنّ المحافظ في لبنان يتمّ تعيينه إداريًّا من خلال السلطة المركزية الممثّلة بمجلس الوزراء، ليمثّل السلطة والوزارات في محافظته. ولا داعي للتذكير بكيفيّة حصول التعيينات الإدارية، بحيث تكون الأولوية للمحاصصة الطائفية، وقد عشنا فصولها الأخيرة منذ أيام!
تجدر الإشارة إلى أنّ التقسيمات الإدارية اللبنانية بشكلها الحالي، بدأت مع المفوّض السامي الفرنسي أيّام الانتداب (موريس سارايMaurice Sarrail )، وكانت شبيهةً بالتقسيم الفرنسي فتكرّس مركزيّة السلطة. أمّا التعديلات التي طالتها، فكانت عبارةً عن إعادة تقسيم جغرافيّ لتقاسم النفوذ بين القوى السياسية، ولم تكن تعديلات جوهرية تهدف إلى تطوير النظام.
في حين أقرّت فرنسا قوانين اللامركزية عام 1982 التي هندسها وزير الداخلية في حكومة الاشتراكيين آنذاك (غاستون ديفر Gaston Deffer) والمعروفة باسمه، في عهد الرئيس فرنسوا ميتيرانFrançois Mitterrand؛ وهي توزّع السلطة بين الإدارة المركزية والوحدات المناطقية من خلال ثلاثة مستويات تدير كلّ منها مجالس منتخبة، وهي: المناطق Regions، المحافظات Departements والبلديات Communes. وبين عامي 2002 و2004، تمّ تطوير القوانين وإضافة مهام جديدة للمناطق، كما تمّ تكريس اللامركزية في الدستور الفرنسي. ثمّ، تمّ تعديل عدد المناطق ليصبح 13 منطقة بدلًا من 21 عام 2016، لتكون المناطق موازيةً لشبيهتها في دول الاتّحاد الأوروبي، مع توسيع صلاحيات أكثر، وأصبح رئيس المنطقة ثاني أعلى منصب بعد رئيس الجمهورية من حيث الصلاحيات، فيدير مجلس مناطقي المنطقة بعد أن يتمّ انتخابه بالاقتراع المباشر على أسس النسبية والمساواة الجندرية (تبلغ الكوتا النسائية % 50). يتولّى المجلس مهامًا عدّة على صعيد المنطقة، منها: التنمية الاقتصادية، التعليم الثانوي، المواصلات العامة، البيئة، إضافةً إلى الإدارة المالية للمنطقة وجباية بعض الضرائب وغيرها من المهام. كما وتتولّى مجالس المحافظات والبلديات المنتخبة أيضًا بالتصويت من الناس صلاحيات أخرى لإدارة القرى أو المحافظات، كما ويمكن أن يتشكّل اتّحاد بلديات intercommunalité لإدارة منطقة مؤلّفة من عدّة بلديات صغيرة.
أمّا في لبنان، فقد بدأ الحديث عن اللامركزية منذ عهد الانتداب، وحتّى بعد إقرارها في اتّفاق الطائف بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، والذي شكّل حلًّا وسطيًّا بين المطالبين بالفدرالية والتقسيم وبين مؤيّدي الوحدة. ورغم تقديم عدّة مشاريع قوانين لتحقيقها، آخرها عام 2014، ما زالت خطط اللامركزية حبرًا على ورق، وغالبًا ما كانت تحوّل إلى اللجان النيابية لدراستها، لتغفو بعد ذلك في الأدراج، خاصّةً في ظلّ التقلّبات والمشاكل السياسية والاقتصادية الخارجية والمحلّية التي تستمرّ بالعصف في الداخل اللبناني.
وغالب الظنّ أيضًا، أنّ معظم القوى السياسية التي ترفع شعار اللامركزية، لا تريدها لأنّها ترى فيها تهديدًا لاستمرارية النظام والدولة المركزية التي تسهّل تفاهم تلك القوى على تقسيم الكعكة، التي لم يبقَ منها حتّى الفتات. في حين يمكن أن تخفت اللامركزية بعض الشيء أصوات الهواجس الطائفية، الذي تستغلّه القوى الحالية، وتركّز أكثر على البرامج والإنجازات المحلّية، فتمهّد للخروج رويدًا رويدًا من عباءات الزعامات الطائفية، وتتيح وصول قوى جديدة تحقّق الإنماء وتحدث تغييرًا حقيقيًّا.
أضف إلى ذلك: كيف لأحزابٍ تكرّس الزعامة الطائفية الإقطاعية والأبوية الرجعية، أن تتقبّل فكرة اللامركزية؟ ولم لا تطبّقها في أحزابها أوّلًا، طالما أنّها مؤمنة حقًّا بها؟
اليوم، وفي ظلّ الانهيار الاقتصادي الذي ربّما ينسحب على النظام كاملًا، ورغم انشغالنا مجدّدًا بالهموم الكبرى التي تهدّد لقمة عيشنا، لا بدّ لقوى التغيير أن تتبنّى اللامركزية الإدارية كخيار استراتيجي، كما فعل العديد مع المجموعات القاعدية اللامركزية بطبيعتها، فربّما يستطيع أولادنا وأولاد محافظ بيروت العيش والعمل قرب قراهم/هنّ بعد تحقيق الإنماء المتوازن. وربّما يفرح أهالي دوما وأهالي بيروت وسائر المناطق بانتخابهم/هنّ لمجالس إدارة مناطقهم/هنّ ومجالس محافظاتهم/هنّ. فأهل مكّة أدرى بشعابها.
مراجع:
/أخبار-لبنان/سياسة/محافظ-بيروت-محمولا-على-الاكتاف-في-دوما-البترونية/www.alliwaa.com.lb
http://www.decentralization-lb.org/Manuals.aspx
https://www.gouvernement.fr/action/la-reforme-territoriale
https://www.francetvinfo.fr/replay-radio/expliquez-nous/expliquez-nous-le-conseil-regional_1790483.html
https://fr.wikipedia.org/wiki/R%C3%A9gion_fran%C3%A7aise