١٧ تشرين لم تكن مناسبةً للاعتراض والتعبير عن الرفض للمنظومة، بل كانت بداية نهج اجتماعيّ سياسيّ اقتصاديّ مختلف. هي الّتي قدّمت نماذج صادقةً عن كيفيّة التناغم الفعليّ بين الطوائف والتوافق فيما بينها، من أجل تحقيق أهداف مشتركة تصبّ في مصلحة الناس.
وحدة الناس لم تكن تعبّر عن أيّ شيء مصطنع، إنّما كانت تعبّر عن حقيقة ظهرت في أشكال عديدة. عدّة مظاهر جعلت ١٧ تشرين تتخطّى تعريفًا واحدًا كانتفاضة أو ثورة، لتصبح مجرى تغيير غير محدود بفترة زمنيّة معيّنة. إنّ هذه النظرة ترسّخت بمفاهيم وممارسات شهدتها ١٧ تشرين من خلال أربعة عوامل أساسيّة:
١- لامركزيّة التحرّكات وتوحيد الخطاب:
إنّ ما كرّسته السلطة من تهميش لدور المناطق وعزلها وتركيز العمل في العاصمة قد نفضته تحرّكات ١٧ تشرين المناطقيّة، فترسّخ مفهوم اللامركزيّة عبر قدرة المجموعات المناطقيّة على تنظيم أنشطتها لوجستيًّا واقتصاديًّا وإعلاميًّا. هذا المشهد قدّم نموذجًا مختلفًا عن دور المناطق الّذي لطالما كان مهمّشًا من قبل السلطة، لتبقى الكانتونات الطائفيّة قائمةً ومسيطر عليها.
٢- دور المرأة:
لم تكن المرأة تلعب دورًا ثانويًّا في تنظيم التحرّكات وصياغة الخطاب في حركة التغيير، كما هو الحال في نماذج المنظومة السائدة. وكأنّ هذه التحرّكات وهذا العمل السياسيّ رسّخت الموقع الطبيعيّ للمرأة في لبنان، من حيث التنظيم وتمثيل المجموعات السياسيّة إعلاميًّا بمصداقيّة وقدرة عالية على توصيل الخطاب.
٣- التباين بين المجموعات على أساس البرنامج والنظرة، وليس على أساس المصالح الماليّة:
على عكس ما نشهده بين أحزاب السلطة من اختلاف مصطنع يُستخدم في شدّ العصب وتوافق ضمنيّ على المصالح المشتركة، أتت التباينات بين المجموعات التغييريّة لتعكس آراء مختلفةً عن السياسة والاقتصاد والأدوات التغييريّة المطروحة. قلّما كانت هناك أجندات مبطّنة للحركات السياسيّة التغييريّة، ما انعكس بعفويّة واضحة كانت تعتبر نقطة ضعف.
٤- سهولة التواصل بين المجموعات الحزبيّة الناشطة وبين الناس:
لم تكن المجموعات التغييريّة تضع لنفسها عرشًا بعيدًا عن الناس وهمومها، كما هو الحال مع أحزاب السلطة. إنّما الخطاب كان يُستنبط من الأرض وناسها، وليس من مصالح رؤساء الأحزاب.
إنّ هذه المبادئ وغيرها من الّتي رسّختها ١٧ تشرين، كالتشاركيّة والنضال اللاعنفيّ، تستطيع أن تكون حجر أساس لبناء نظام عادل يقوم على العدالة الاقتصاديّة/ الاجتماعيّة وعلى اللامركزيّة والعلمانيّة.