تخطى إلى المحتوى

ماهر أبو شقرا – لماذا تنجح قوى السلطة في لبنان فيما تفشل المعارضة؟ – #لِحَقّي

ماهر أبو شقرا - لماذا تنجح قوى السلطة في لبنان فيما تفشل المعارضة؟

ماهر أبو شقرا
7 تشرين اول 2019

ثمة مقولة تُنسب لآينشتاين، على الأرجح زوراً مثل معظم ما يُنسب إليه. في جميع الأحوال فإن هذا لا ينتقص من قيمتها؛ تقول الجملة: "قمة الغباء أن نقوم بنفس الأمور وأن ننتظر نتائج مُغايرة." فهل ما زالت عندنا، كأعضاء في الجسم المعارض التغييري، رفاهية الاستمرار بالممارسات نفسها والأخطاء نفسها وانتظار أن تأتي بنتائج مختلفة عن التي نصل إليها عادة؟ وهل سنحصد غير ثلاثية: الأمل، فالنشوة، فالخيبة؟

من خلال هذا النص سأحاول الإضاءة على أربعة محاور أساسية للإجابة على السؤال الأساسي هنا: لماذا تنجح قوى السلطة في لبنان (هم) وتفشل قوى المعارضة (نحن)؟

وسيقتصر النص على مسائل ذاتية متعلقة بالخطاب السياسي والمقاربات.

1- قياداتهم أكثر واقعية من قياداتنا وأقل تعجرفاً. فهم يعرفون أن الناس لا ينقصها الوعي، فيقومون بالعديد من الممارسات التي تهدف إلى منع الناس من تحقيق هذا الوعي وترجمته إلى أفعال. من هذه الممارسات التي تقوم بها قوى السلطة: الابتزاز، إشعال الفتن، الحروب الوهمية، الترغيب والترهيب، التهديد والوعيد.
ومقابل واقعية قوى السلطة فإن الجسم المعارض يكثر فيه الناشطون المتعجرفون لأقصى الحدود، والذين يتعاملون مع المشكلات السياسة والاجتماعية وكأنها مشكلة وعي، ويتعاملون مع الناس كمنساقين دونما وعي وبالتالي ينبغي توعيتهم، وإن لم يستجيبوا فمصيرهم النعت بأقذع العبارات وأكثرها تحقيراً.
فهل سيثق الناس وينجذبون لواعظ متعجرف؟

2- قياداتهم مثقفة أكثر بكثير من قياداتنا، بعكس ما يحلو لنا أن نظن.
هناك سرّ هو خلاصة من خلاصات زمن طويل من الانتاج العالمي في الفكر السياسي وسيكولوجيا الجماهير. هم يطبقون هذا السرّ فيما نتغاضى عنه نحن. السرّ يقول أن الناس تحكم خياراتها العاطفة (الأمان المادي، الخوف، الجاذبية السياسية، الحس الجماعي،...) ومن ثم يقومون باختراع السردية المنطقية التي تبرر الخيارات.
أما نحن فنظن أن خيارات الناس مبنية على منطق خاطئ ينبغي تصحيحه وتقويمه. الأسوأ أننا واثقون جداً من هذا، ولعل البعض منا يتلذذ بإحساس التفوق الوهمي هذا.

3- قياداتهم تفهم النظام اللبناني جيداً. هم حُماته ومتمكنون منه، فيما نحن نصوب على التروس والدروع والنتائج وليس على الجوهر. نكتفي بالتصويب على النفايات، على الفساد، على الطائفية، وهذه كلها إفرازات للنظام اللبناني الذي لم ننجح في التصويب إلى عمقه في يوم.
النظام اللبناني هو قلعة الدولة المركزية التحاصصية التي لها عدة بوابات، منها الكبير ومنها الصغير. وعلى كل بوابة حارس كبير هو زعيم ما، طائفي، محلي، ومعه حاشية من المتنفذين في حزبه. من كل بوابة تخرج إلى الناس الوظائف والتنفيعات، وتخرج أيضاً اليد التي تبتز الناس وتقبض على مصيرهم. وسيخيل للناس أن اليد التي تقبض هي اليد التي تحمي، وأنها الجناح الذي تحتمي في ظله الجماعة. وكلما ازداد عدد الناس عند البوابة كلّما توسعت وارتفعت، غير أن الناس يبقون على حالهم صغاراً لا حول لهم ولا قوة. هذه القلعة، قلعة الدولة المركزية التحاصصية، هي النظام اللبناني. وهي لن تتفكك ولن تهدم سوى بالعمل من أجل تحقيق اللامركزية الموسعة المشروطة بالعدالة الاقتصادية الاجتماعية وحقوق الإنسان.

4- هم خبثاء، فيما نحن نعوم فوق بحر من سذاجة. سوف لن يجاهر سياسي من زعماء السلطة بحقيقة أهدافه يوماً. سوف لن نسمعه يقول: يجب أن أنتصر سياسياً لأحمي مملكتي الاقتصادية ولأوسع أعمالي ولأمرر المزيد من الصفقات. إنّما سنجده يقول: يجب أن أنتصر سياسياً لكي أحمي طائفتي وأهلي وناسي. يكذب! فيما نحن نجاهر بحقيقة نظرتنا للأمور دوماً، ونشرح خططنا وأفكارنا بشكل مباشر دون اهتمام لمخاوف الناس، لا بل حتى البعض منا يتعامون عن مخاوف الناس ويحتقرونها دون اعتبار.
صحيح أنه لا يمكننا أن نكذب مثلهم، ولا يجب أن نكذب مثلهم. لكن يمكننا أن نعمل، ويجب أن نعمل كثيراً وأن نتكلّم قليلاً: العمل كبديل عن الكلام.

ثم هناك بعض الإجراءات التكتيكية.

أن نقوم بالحد من الاعتباطية ومضاعفة الجدية والالتزام.

ألا نتعامل مع الظهور الإعلامي القليل الذي نناله كمكافأة للفرد على عمله أو تلبية لإلحاح الفردانية وشبق الظهور في حين هم، أي قوى السلطة، يرتبون ظهورهم بناء على سياسة إعلامية مدروسة.

كلّ هذا ليس عملية جلد للذات، إنما هو نقد لمجمل التجارب السابقة، وهو أيضاً دعوة للتفكير والعمل. وكلّي امتنان لكل من يساهم في جعل عملنا في لحقي منطلقاً جدياً للعمل التغييري كونها منظمة قاعدية للتغيير السياسي التقدمي. وتبقى شعلة الأمل مستمرّة...

السلطة لبنان