نحو الدّمار الاجتماعيّ: خطّة الحكومة لاسترضاء صندوق النّقد الدّوليّ.
تقودنا الحكومة اللّبنانيّة إلى دمار اجتماعيّ ومزيد من المعاناة الاجتماعيّة. لقد أهدتها أزمة الكورونا قناعًا لطيفًا لتختلس فرصة إقرار سياساتها المدمّرة للمجتمع، مستغلّة حجرنا الطّوعيّ الّذي فرض نفسه ضرورة بسبب تدهور خدمات الصّحّة العامّة، وهو حال عالميّ. تعلم الحكومة اللّبنانيّة أنّ خطّتها الاقتصاديّة هي عبارة عن حرب اجتماعيّة مكثّفة، فتستعين بالجيش كي تقمع محاولة دفاعنا عن أنفسنا. أصبحنا بنظر الحكومة عدوًّا خارجيًّا لأنّها لا ترى وجودًا لمجتمع في الدّاخل تكون مسؤولة أمامه. إنّ حكومة التّكنوقراط ترى نفسها مسؤولة أمام صندوق النّقد والدّول المموّلة، فتوكل للجيش مهمّة حماية مصالح رؤوس الأموال والشّبكة الأوليغارشيّة.
إنّ خطة حكومة التّكنوقراط لا تحمل حلًّا اجتماعيًّا للأزمة الاقتصاديّة، بل هي مبنيّة على توقّعات متفائلة وأمنيّات غير مضمونة، وستزيد نسب الفقر والبطالة لسنين طويلة. الخطّة لا تحمل رؤية جذريّة وحلول هادفة لتحويل الاقتصاد من ريعيّ إلى منتج وعادل ومستدام، بل استمرار بسياسة الاستدانة وترقيع ما أمكن من أجل شراء الوقت وتأجيل الانهيار. تعطي الحكومة في خطّتها أولويّة لاستعادة إمكانيّات شبكة المصالح في إنتاج أرباح أكثر في المستقبل على حساب الأمن الاجتماعيّ المعيشيّ المنحاز للنّاس. وترتكز الخطّة على أسس واعتبارات خمسة:
- إعفاء كلّ من سرق وأساء إدارة البلد على مدى ثلاثين عامًا من المسؤوليّة؛ فالخطّة لا تقارب إمكانيّة استعادة الأموال المنهوبة والمهرّبة بآليّات واضحة، ولا استملاك الأملاك العامّة المسروقة، بل تفترض هروب المزيد من رؤوس الأموال الكبيرة مرحليًّا كواقع محتّم؛
- في استراتيجيّتها لإعادة هيكلة الدَّين، تستبدل الحكومة جزءًا من الدَّين القديم بدَين خارجيّ جديد، فيكون هدف إعادة الهيكلة هو استعادة قدرة الاستدانة من جديد، وتحميل النّاس أعباء جديدة أخطر ممّا سبقها لأنّ الدّيون الجديدة ستكون لجهات خارجيّة؛
- خفض الإنفاق العامّ من خلال سياسات تقشّف تطال تخفيض الأجور الحقيقيّة وتضرب شبكة الحماية الاجتماعيّة، كما وضع أصول ومؤسّسات الدّولة على طاولة المفاوضات من خلال صندوق الأصول تمهيدًا لبيعها وخصخصتها، ليست إلّا تكرار لطروحات موازنات ٢٠١٩ و٢٠٢٠؛
- السّياسات المقترحة لإنشاء بيئة ملائمة لاستثمارات القطاع الخاصّ دون إرساء سياسات كسر الاحتكار سيفاقم مستوى الفساد والشّرخ الطّبقيّ بين فئات المجتمع، ما يجعل جهود مكافحة غير جادّة وجذريّة ولا تفيد إلّا كذريعة للتّقشّف؛
- لا تتحمّل الخطّة مسؤوليّة أمن المجتمع المعيشيّ، فلا تخطّط على الإنفاق لتخفيف وطأة الأزمة المعيشيّة عن الطّبقتين الفقيرة والمتوسّطة والفئات المهمّشة، بل توكل هذه المسؤوليّة إلى جهات خارجيّة إن رغبت بذلك.
إنّ هذه الحكومة في خططها وسياساتها لا تتوجّه إلى النّاس وعلاقاتنا الاجتماعيّة، بل إلى الجهات المموّلة الخارجيّة. لا ترى نفسها مسؤولة عن حماية المجتمع، بل مسؤولة أمام الصّندوق الدّوليّ لحماية المصالح الاقتصاديّة لرؤوس الأموال الكبيرة. نريد خطّة تقارب الاقتصاد من منظار المجتمع وليس من منظار صندوق النّقد والدّول المموّلة، وتكون خططها مرتكزة على ستّة أسس بديلة:
- استرداد أرباح الفوائد المتراكمة وأموال الهندسات الماليّة والأموال المختلسة والمهرّبة، والأملاك العامّة المسروقة على مدى ثلاثين عام، وشطب جزء من الدَّين العامّ والخاصّ، ما يؤمّن أموال بالعملات الأجنبيّة لتخفّض سعر الصّرف؛
- حماية مدّخرات النّاس وتحرير أموال أصحاب الودائع الصّغيرة والمتوسّطة والحفاظ على القدرة الشّرائيّة للطّبقات الفقيرة والمتوسّطة لتجنيبها كلفة الأزمة وتخفيف أعباء التّضخّم عليها؛
- استثمار في المرافق العامّة والبنية التّحتيّة لتنخفض نسب البطالة إلى أدنى المستويات، وإقرار سياسات حماية لليد العاملة؛
- كسر الاحتكارات وضبط الأسعار، وحصر استيراد الموادّ الأوّليّة بيد الدّولة، وتوقيف المشاريع المعادية للبيئة؛
- استثمار في الرّعاية الاجتماعيّة والصّحّيّة لنستطيع مواجهة المخاطر الصّحّيّة والاقتصاديّة القادمة؛
- تحرير سعر الصّرف بعد الانتقال من اقتصاد ريعيّ إلى اقتصاد منتج يزيد القدرة التّنافسيّة للإنتاج الوطنيّ، لكن تحرير سعر الصّرف الآن كما تقترحه الحكومة يعيق الوصول إلى اقتصاد منتج ويزيد من مستويات الفقر والبطالة.
لا نريد حكومة ترى في الثّقة مجرّد عامل للاستثمار الاقتصاديّ، نريد حكومة تبني شبكات ثقة اجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة.
_______________________
_______________________