تخطى إلى المحتوى

١٧ تشرين وشظايا المرفأ

بيار خوري

١٧ تشرين وشظايا المرفأ

بيار الخوري

26 تشرين الثاني 2020

ينتابني شعورٌ ممزوجٌ، ما بين الخيبة والتّعاسة.

صديقات وأصدقاء أعزّاء جدًّا قرّروا التّقاعص عن كلّ شيءٍ، حتّى عن الملل. مناضلات ومناضلون، في العشرينات والثّلاثينات والأربعينات من العمر، أرادوا التّقاعد وكأنّهم يطلبون الرّاحة من كلّ شيءٍ.
أليس هذا انتحارًا معنويًّا مشروعًا؟ أليس هذا انكفاءً من أجل لملمة الخيبات؟

"خيبات ١٧ ت و٤ آب" أرخت بثقلها على كاهل هؤلاء. كثرٌ من الصّديقات والأصدقاء هجروا "بيروتهم" ليتّصلوا بفراغ الطّبيعة وجبالها، أو بغربةٍ أرادوها فكانت. كثرٌ هجروا الرّينغ، المصرف وساحات الثّورة بحثًا عن العبث والفراغ المريح. يقولون بالفم الملآن: "سئمنا الهزيمة، وعلينا أن نقترف معصية اللّامبالاة."
إنّها ليست "تروما"، بل إحباطٌ مؤقّتٌ. إنّه الخجل من النّفس. دمّروا مدينتنا. وقبلها، "أدّبونا" بهراواتهم، غازهم، توقيفاتهم! ونحن صامدون. إنّها استراحة المحارب المتشظّي في كلّ أنحاء حياته.

صديقاتي وأصدقائي، أين أنتم؟ اشتقت إليكم ولو أنّنا، من يومٍ إلى آخر، "مندردش سوا." اشتقت إلى اندفاعكم المجنون وحماسكم المفرط وأحلامكم المستحيلة، عندما تكونوا واقعيّين. أسألكم: هل أحبطنا إلى غير رجعةٍ؟ هل تآكلت عزيمتنا إلى حدّ العفن؟ هل أصبحنا هياكل في مدننا؟
صديقاتي وأصدقائي، أصبحت الموسيقى الحزينة هي فرحي الوحيد، وأنا أجتاز الوسط وصولًا إلى الجمّيزة. تيّقنت كم أصبحت أزقّة بيروت ودمارها عبئًا على حواسكم. لم تعودوا تتحمّلون هدير وصخب مشاهد الدّمار ومشاهد جدران السّاحات برسوماتها وخطواتها الّتي تحكي حكايات يوم أسقطنا الخوف. ألم يقل يومًا لينين: "الفنّ ينتمي إلى النّاس"؟!
صديقاتي وأصدقائي، ربّما سنجتاز يأسنا وإحباطنا بأكبر ضررٍ ممكنٍ. نعم، بأكبر ضرٍر ممكنٍ، ولنكن متفائلين بيأسنا طالما لم نزُل بعد.

صديقاتي وأصدقائي الأعزّاء، يومًا ما سنعود لندفن مجدّدًا ضحايانا ولنضمد جرحانا من ضحايا التّفجيرات وعنف القوى الأمنيّة، إيذانًا بسحق قبحهم وبشاعتهم وتمهيدًا لانتقال القوّة للنّاس، النّاس كلّ النّاس!

بيار الخوري
#القوة_للناس