تخطى إلى المحتوى

إليسا نعمة – عن ثورتنا النسوية – #لِحَقّي

Nasawiya

إليسا نعمة - عن ثورتنا النسوية

20 كانون الثاني 2020

لم تكن لحظة وصول المسيرة النسوية التي انطلقت من المتحف إلى ساحة رياض الصلح لحظةً عادية، ولم تشبه أيام التظاهر التي سبقتها. على الأقل بالنسبة لي وللكثير من النساء اللواتي شاركن في المسيرة التي نظمتها مجموعة من المجموعات النسوية والتنظيمات السياسية القاعدية تحت شعار "طالعة تسقط نظام – ثورتنا ثورة نسوية".

في رياض الصلح، وسط حشودٍ بالآلاف هتفنا شعاراتنا النسوية من دون مساومة أو خوف، هتفنا ضد النظام الأبوي، ضد سلطة رجال الدين والمحاكم الدينية، ضد النظام الطائفي وضد النظام الرأسمالي الذي يُمأسس اضطهادنا الاقتصادي، وردد وللمرة الأولى الرجال وراءنا.

لم يردد الرجال وراءنا هذه الشعارات لإيمانهم أو حتى لفهمهم تبعات سقوط النظام الأبوي على امتيازاتهم، بل رددوها لأن الخطاب النسوي وللمرة الأولى أصبح جزءاً من الخطاب العام أو من اللغة المستخدمة في المساحات العامة.

اشتهرت الأسابيع الأولى من ثورة تشرين بمقالات صحفية ونقاشات وأحاديث تحلّل "بروز" دور النساء في الثورة وانطلقت التحليلات أو المراقبات بمعظمها من فرضية أن المتوقّع كان غياب هذا الدور، والمفاجأة أتت ببروزه.
فلا مبرّر من الدهشة لدور المرأة القيادي في الثورة إلا لو سُبق بتوقع أن تلعب المرأة دوراً أقل أهمية في لحظة تغيير سياسي بهذه الأهمية.

قد ينطلق هذا التوقع من حقائق ليست بتمييزية ضد النساء كواقع ضعف مشاركة المرأة في الحياة السياسية والتمييز الموجود في الحيز العام ونقص الأمان في المساحات العامة.
هذه العناصر قد تبرر "الصدمة" الجماعية وحتى العالمية "لاجتياز" المرأة دورها المتوقع في الثورة.

ولكن لماذا نعتبر نحن النساء أن دورنا القيادي في الثورة أكثر من طبيعي وأن المواجهة اليوم هي بطبيعتها مواجهة نسوية؟

تصدّر النساء المواجهة في ثورة تشرين صارخات، ثائرات، غاضبات، منتفضات لم يكن لنثبت أننا نصف المجتمع أو متساويات بالرجل أو ثائرات مع الرجال جنباً إلى جنب. بل العكس تماماً!..

النساء هنّ في الصفوف الأولى، يقدن الثورة لأنهن غير متساويات بالرجل، لأنهنّ لا يملكن نصف المجتمع مع أنهن نصفه عددياً، لأنهنّ لا يتمتعن بجزئية من امتيازات الرجل في مجتمعاتنا.

وإن كانت الثروة موزعة بشكل غير عادل بين ٩٩٪ من الناس وال١٪ من أصحاب رؤوس الأموال، فالثروة القليلة المتبقية موزعة أولاً على الرجال ومن ثم على النساء.

وإن كان القضاء منحاز للسلطة وأصحاب الثروات ضد الفقير والمواطن العادي، فالقضاء منحاز بقوانينه ومكناته بدرجة إضافية وبقوانين إضافية ضد المرأة.

وإن كان تحالف السلطة الطائفية مع السلطة السياسية وكبار الممولين هو درع النظام في تثبيت المنظومة الزبائنية والسيطرة الاجتماعية على الناس، فقمع النساء من قبل هذه السلطة عينها هو من أساسات شرائهم لولاءات الذكور أو الآباء في هذه المجتمعات.

ومن الضروري اليوم أن نحدّد موقع النساء في الثورة. وليس من باب وضعهن بمواجهة مع الرجل ولكن من باب تحديد حيثيات المواجهة ومفاهيمها وحتى لغتها لأهمية تصويب أهدافها.

الثورة لم تضع النساء إلى جانب الرجل. فلا زال الرجل صاحب امتيازات كبيرة تضعه في موقع مختلف جداً عن موقع النساء في الثورة اليوم.

وبالتالي، الثورة وضعت المرأة إلى جانب العامل والعاملة، الفقير والفقيرة، المهمشين والمهمشات.

الثورة وضعت النساء إلى جانب من موقعهم وموقعهن الطبيعي اليوم هو المواجهة لأن لا خيار لهم/ن غير المواجهة فالنظام بمكناته المتعددة تمعن في قتلهم/ن ولسنوات.

وبالنتيجة، لا تغيير سياسي، أو اقتصادي قادر على مواجهة الظلم والتمييز إن لم يكن في عمقه نسوياً.

كيف يكون التغيير السياسي والاقتصادي نسوياً؟

لا مكان في هذا المقال لتفصيل كل مطالب النساء أو أولوياتهن وركائز نضالهن، ولكن سأتطرق إلى رأيي بالإطار الذي يحدّد المسار المطلوب لضمان أن يكون نشاطنا السياسي نسوي بعمقه وقادر أن يحقق بالفعل العدالة الجندرية.

العمل برأيي في المرحلة القادمة يجب أن يكون على مستويين اثنين: في أشكال التنظيم السياسي للمجموعات المعارضة أو التغييرية أو الثورية وفي شكل النظام أو نوع التغيير التي تطالب به هذه المجموعات.

نحن اليوم أمام مسؤولية كمجموعات سياسية في ادراج وتعميم التحليل النسوي والنظرة النسوية في تنظيماتنا وفي هيكلية عملنا.

وأصبح من الضروري أن يعمّم النضال النسوي ليتوسع من المجموعات النسوية فقط، ويصبح تعريفنا لأي مجموعة سياسية يرتبط بكونها نسوية أيضاً. وأن تصبح أحد أهم الركائز التي تحدد مدى تقدمية المجموعة هي دور النساء فيها وآلية اتخاذ القرارات التي تتبعها.

فالثورة اليوم أسقطت مفهوم القائد التقليدي أو العمل السياسي المركزي والقرارات الخارجة من المراكز والمدن.
الثورة أسقطت مفهوم العمل السياسي التقليدي الأبوي في صلبه، وأعادت الثورة تعريف السلطة الكامن بقوة الناس وقوة تضامنهم/ن حول حقوقهم/ن.

وبالتالي، فإن مرحلة ما بعد 17 تشرين تطلّب أشكال تنظيم سياسي تشاركي، غير مركزي، قاعدي يضمن مشاركة أكبر عدد ممكن من الناس في مسار القرار والنشاط السياسي ويذهب أبعد من الانفتاح أو قبول أن تلعب المرأة في التنظيم دوراً مساوياً للرجل، إلى ابتكار آليات تضمن وتشجّع وتخلق الفضاء السياسي المناسب لتحقيق العدالة الجندرية داخل المجموعة.

أما بالنسبة لشكل النظام الذي نطالب به كمجموعات سياسية. فبعد ثورة تشرين كثرت الأوراق السياسية والاقتصادية وخرائط الطرق والمشاريع المقدمة من المجموعات السياسية المختلفة.

وبعد ثورة تشرين، علينا أن تصبح أحد معاييرنا لقبول أو رفض أي مشروع ترتبط بوجود قراءة نقدية للنظام السياسي اللبناني تعتبر المنظومة الأبوية جزء من بنية النظام القمعية وفي تبني هذا المشروع لمطالب النساء والحركات النسوية تاريخياً في لبنان. ومنها إقرار قانون موحد مدني للأحوال الشخصية، وإقرار قوانين تجريم الاغتصاب الزّوجيّ والتّعنيف الاقتصاديّ والنّفسيّ، وإلغاء القوانين الّتي تميّز ضدّ النّساء في الزّواج والحضانة والوصايا على الأولاد.

نهاية، سأقتبس من حراك "طالعات" للنساء الفلسطينيات وأقول أنني لا أرى أو أؤمن بتحررٍ وطني لا يكون في عمقه وعمق أولوياته تحرر النساء.