تخطى إلى المحتوى

عن أمهات لبنان في عيدهن

Rania Shaaban

صدر الحكم بالسجن خمس سنوات على كرم البازي قاتل رولا يعقوب. هل علينا أن نفرح نحن النساء عموما والأمهات خصوصا، مع هذه العقوبة التي تأتي متأخرة جدًا وناقصة جدًا مقارنة بجريمة قتل نراها تتكرر وتتكرر يوميا أمام أعيننا؟ هل علينا أن نهلّل للخبر الذي أتى بعد يومين فقط من عيد الأم؟

هو تاسع عيد يمر على والدة رولا، ليلى الخوري، الثكلى والمقهورة دون ابنتها، الأم التي لم تثنيها المماطلة ولا البيروقراطية في القضاء اللبناني عن المطالبة بعدالة ولو جد يسيرة لابنتها. وربما يجوز أن نعايد الأم ليلى في نيلها شيئا بسيطا من حقٍّ بدل أن نعايدها متأخرات في عيد الأم، عيدٌ فيه الكثير من أمهات لبنان منكوبات.

ليست بسيطة هذه المصادفة، أن يُسجن قاتل رولا، الابنة وأم الخمس بنات بعد عيد الأم. وكأن هذه المصادفة أتت لتفتح أبوابا لأسئلة تطرح نفسها الآن:
كيف نعايد أمهات لبنان وهن يعانين القهر والقلق والظلم، وهن يُقتلن على أيدي رجال عائلاتهن، أو يفقدن بناتًا يُقتلن بنفس الشكل فلا يفعل المسؤولون إلا محاولاتٍ مقزِّزة لتبرئة القتلة من أبناء جنسهم والنصرة لهم.

كيف نعايدهن او نحتفل بأي شيء في ظل نظام بطريركي يستفرد فيه الرجل في امتلاك السلطات الأساسية في المجتمع، عنصري ضد جماعات وأعراق متعدّدة، رأسمالي هدفه إثراء طبقة محدودة على حساب شعب كامل وطائفي يقوم على المحاصصة واقتسام النفوذ والثروة بين زعماء تلك الطوائف، نظام ينخره الفساد وقلة حياء فاسديه.

ماذا نقول لأم يحرمها القانون من إعطاء جنسيتها لأولادها ويحرم أولادها من حقوقهم، إنه حقٌ إنسانيٌّ ولبنان هو من الدول القليلة الذي لا يعترف بعد بنسائه مواطنات كاملات الحقوق
ماذا نقول لأم تقهرها المحاكم الشرعية بحرمانها من حضانة أولادها في ظل غياب قانون موحّد للأحوال الشخصية، محاكم تتحايل عماماتها لتتنازل النساء عن كامل حقوقهن بما فيها الحضانة لصالح الرجل. اخترعوا بدعة التنازل عن الحضانة ليذللن الأمهات كي يظللن تحت حكم الرجل
كيف نواسي النساء الحوامل اليوم في لبنان وهن محرومات من حقهن الانسانيّ في الصحة الانجابية فيعاني نسبة كبيرة منهن نقص الدم الحاد ويعشن القلق على أجنتهن أمام الخطر الذي يهدد صحتهن وصحة الأجنة معا.

كيف نحكي عن العيد والأمهات يلدن وتُقطّب جراحهن دون بنجٍ لعدم وجود ما يلزم لهن، فيعضدن على وجعهن ويسرعن في العودة إلى عملهن بأسرع وقت فيكدحن على أمل ألا يصرن عاطلات عن العمل.

كيف نعايد الأمهات العازبات اللاتي لا يعترف بهن القانون ويسِمُهن بالعار، ما الذنبُ الذي اقترفته هؤلاء النساء غير ممارسة حقهن الطبيعي ومن نحن ومن هم ليحاكموهن.

كيف نعايد الأمهات والنساء وهن لسن قادرات على التحكم بخياراتهن الانجابية بحرية ودون ضغط أو ابتزاز.

كيف نقيم عيدا ونساءٌ تموت في عيادات غير شرعية للإجهاض لأن المشرّع في لبنان رفض حقها بالتحكم بجسدها في حين انه تسامح مع الأمر عندما يطلب الرجل ذلك لها أو عندما تكون المرأة كادحة أجنبية أتى بها رب عملها لتجهضَ فيُخفي هو أثرَ فعلته.

لا، لا يا سادة لا نقبله عيدا، لا يمكن أن نقبل الاحتفال بعيدٍ لأمهاتنا ولنا ولبناتنا ونحن على هذه الحال، نُقتل كل يوم جسديا أو نفسيا بقوانين مُجحفة بحقنا وبأحكام مُخفَّفة لقاتلينا.

سنعلن أولا أن للأمهات الحق في اختيار ما يردن، دون أن يشكل ذلك خطرا على حياتهن، حتى ولو لم تتوافق خياراتهن مع معايير مجتمعنا الذكورية وحاجة دولتنا ورأس المال.

وأن للأمهات الحق في الطلاق دون أن يكون أطفالها ورقة لتذليلهن، فلا نعترف لكَ يا مَن تشرّع باسم الدين بما تسميه وقاحةً التنازلَ عن الحضانة مقابل الطلاق. الحضانة لمَن حملت بأحشائها الولد فالأَولى بكَ أن تُفتي بدينك كي تتوفرَ لها الشروط المادية والنفسية المناسبة فتربيَ أجيال مجتمعنا دون خوف ودون مذلة.

وأن الأمهات تتنازل عن صفات البطولة والقدسية التي تُثقل كاهلهن فلا يُطلب منهن كل التضحيات التي تقدمنها تجاه الرجل والعائلة والمجتمع، فالأمومة ليست عملا بدوام كامل والأم انسان يمكن أن تتعب وتُنهك وتتعذب وتصاب بالأمراض النفسية وهذا كله ليس عارا انما مناسبة لإمكانية التعبير عن نفسها دون عذاب ضمير لحياة سوية أكثر ومجتمع متصالح ومتسامح مع نفسه.

ثم أخيرا وليس آخرا أن الأمهات وصحتهن الانجابية أولويةٌ في مجتمعنا لا يجب قبول المساومة عليها لأن النتائج ستقع عاجلا ام آجلا عليهن وعلى اولادهن وستكون كارثية على المدى البعيد على مجتمعنا وصعبة المداواة في أحوال كثيرة.

وعلى هذا الاعلان، يؤجّلُ هذا العيدُ غيرُ آسفات!

رانيا شعبان